قراءة في تقنين نشاط الاستيراد المصغر
لا شك أنكم سمعتم عن صدور المرسوم التنفيذي رقم 25-170، الذي يُحدد شروط وكيفيات ممارسة نشاط الاستيراد المصغر من طرف المقاول الذاتي. ولعل هذا النصّ القانوني يُعدّ في ظاهره بادرة طيبة لمحاولة حليلة أزمة الندرة في بعض المواد المستوردة، غير أن بين سطوره ما يُعيدنا إلى كواليس وأروقة البيروقراطية التي يبدوا انها كتبت على كل فرد من هذه البلاد.
رئيس الجمهورية يأمر بمنح كافة التسهيلات لدعم هذا النشاط، والحكومة تصوغ القانون بروح ضيقة ونفس بيروقراطي ثقيل، يعني لي يتمد لك باليمنى ينزع باليسرى!
لم أفهم هل عو تناقض بين أوامر الرئيس وتنفيذ الحكومة ام تفاهم مسبق وأسلوب عمل متفق عليه ... الله أعلم.
فيما يلي بعض الشروط البيروقراطية العجيبة التي جاء بها هذا المرسوم، والتي يبدو أنها كُتبت تحت شعار: مافيهاش!.
#أولًا: مرض الرخص.
في المادة 4، نُبشّر بإعفاء المستورد المصغر من رخص الاستيراد المسبقة (أمر يبعث على التفاؤل في أوله). لكن ما إن ننتقل إلى المادة 6 حتى نُفاجأ بشرط الحصول على رخصة عامة لمزاولة النشاط، تُمنح من الوزارة المكلفة بالتجارة الخارجية. ثم تزيد المادة 12 الطين بلّة بقولها إن هذه الرخصة صالحة لسنة واحدة فقط، وتُسلَّم في ظرف 5 أيام من تاريخ الطلب!
لمن يعرف دهاليز وزارة التجارة، يدرك تمامًا أن هذا الميعاد الزمني لا يعدو كونه حبرًا على ورق، منذ 2019، أصبحت هذه الوزارة معقلًا للبيروقراطية في قطاع الاستيراد، تحت ذريعة "تنظيم السوق".
كان بالإمكان الاستغناء عن هذه الرخصة تمامًا، طالما أن المستورد يتحمّل مسؤولية جمع العملة الصعبة بنفسه، ونكتفى بدليل رسمي يوضح قائمة المواد المسموح بها والممنوعة، بدل ادخال تجار مبتدئين ومتحمسين للعمل والنشاط في اروقة البيروقراطييين للحصول على رخص ممارسة نشاط الاستيراد علما انه معنى من رخصة الاستيراد المسبقة!!!!
#ثانيًا: فخ التصريح المسبق
يشترط المرسوم التصريح المسبق بقائمة السلع المزمع استيرادها. وهذا الشرط يبدو مثاليًا على الورق، لكنه يصطدم بواقع نشاط الاستيراد المصغر.
فمن هم "تجار الكابة"؟ إنهم لا يعملون بعقود طويلة المدى ولا يملكون دفاتر طلبات. رحلتهم تبدأ من الميدان، من الأسواق الخارجية، من طلبات الزبائن المتغيرة، من الفرص المفاجئة والعروض المحدودة.
فكيف يُطلب من هؤلاء أن يُصرّحوا مسبقًا بما سيستوردونه، وهم أنفسهم لا يعلمون حتى آخر لحظة ما قد يُغيّر خططهم؟ والأدهى، أن مخالفة هذا التصريح تعني مصادرة البضائع وسحب بطاقة المقاول، وفقًا لما تنص عليه المادة 15.
#ثالثًا: الإقصاء لكل من يملك دخلا آخر!
المرسوم يمنع كل من يمارس مهنة حرة أو نشاطًا تجاريًا أو حتى من هو موظف بسيط من دخول عالم الاستيراد المصغر. سؤال بسيط يطرح نفسه: من تبقّى إذًا؟ هل ننتظر من العاطلين عن العمل، الذين لا يملكون خبرة ولا رأس مال، أن يقودوا هذا النشاط الحيوي؟!
في الواقع، من يمتلكون المدخرات، ومن اعتادوا السفر والتبضع من الخارج، ومن يفهمون خريطة الأسواق العالمية، هم الموظفون، الأساتذة، الأطباء، الفنانون، والحرفيون. وهؤلاء بالضبط هم من تم إقصاؤهم من ممارسة هذا النشاط!
فما المانع من أن يُمنح الموظف فرصة لتنويع دخله؟ أليس في ذلك راحة للحكومة من ضغط الأجور وعبء تحسين القدرة الشرائية؟ بل قد يجد البعض في هذا النشاط فرصة لترك الوظيفة والانخراط التام في السوق الحرة.
يبدو أن الإدارة تعاني من عُقدة دائمة تجاه كل من هو أجير أو تاجر! الموظف يُمنع من ممارسة أي نشاط ربحي، والتاجر لا يمكنه التوظيف، والمقاول الذاتي يُكبّل بالشروط، ... وكأننا نقول بصوت بيروقراطي واحد: "لا تعمل، لا تُجرب، لا تُغامر!"
#رابعا: المواد الممنوعة من الاستيراد ...
يعلم الخاص والعام أن تجار "الكابة" كان لهم الفضل في توفير الكثير من الأدوية التي منعت من الاستيراد بسبب الحفاظ على العملة الصعبة ودعم المنتج المحلي، وبفضلهم بعد فضل المولى عز وجل وجد الكثير من المرضى ما يتسبب في شفائهم والحفاظ على ارواحهم، ولهذا كان من الممكن السماح باستيراد الأدوية غير المنتجة محليا مع تحديد الكمية، دون الحاجة للمنع النهائي.
#كخاتمة أقول:
لمرة واحدة فقط، اسعدونا بقانون لا يحتوي على لمسة بيروقراطية.
لماذا تضيقون متّسعًا؟